( بسم الله الرحمن الرحيم )
الحجر الأسود حجر كريم نزل من الجنة لرواية أبن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني أدم (( أخرجه الترمذي )) , وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : نزل جبريل عليه السلام بهذا الحجر الأسود من الجنة فتمتعوا به فإنكم لا تزالون بخير ما دام بين أظهركم فإنه يوشك يوم فيرجع به من حيث جاء به , رواه الطبراني , فإن الحجر يعود ويصير إلى الجنة من حيث جاء فلما جعل في الأرض اقتضت الحكمة اللاهية أن يراعى فيه حكم نشأة الأرض فطمس نوره , ويمكن أن يقال بقاؤه أسود إنما كان للاعتبار ليعلم أن الخطايا إذا أثرت في الحجر فتأثيرها في القلوب أعظم .
أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده , كما روى الأزرقي وأبن أبي عمر عن أبن عباس موقوفاً قال / إن هذا الركن يمين الله في الأرض يصافح بها عباده مصافحة الرجل أخاه , وقال عطاء : حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن ( روه أبن ماجة ) .
روى الأزرقي عن ابن إسحاق في بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة المعظمة قال ( فلما ارتفع البنيان قرب له إسماعيل المقام فكان يقوم عليه ويبني ويحوله إسماعيل في نواحي البيت حتى انتهى إلى موضع الركن الأسود قال إبراهيم لإسماعيل أبغني حجراً أضعه ها هنا يكون للناس علماً يبتدئون منه الطواف , فذهب إسماعيل يطلب له حجراً ورجع , وقد جاءه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود , وكان الله عز وجل أستودع الركن ( الحجر ) جبل أبي قبيس حين اغرق الله الأرض زمن نوح , وقال : إذا كان خليلي يبني بيتي فأخرجه له قال : فلما جاءه إسماعيل فقال له يا أبت من أين لك هذا ؟ قال : جاءني من لم يكلني إلى حجرك جاء به جبريل فلما وضع جبريل الحجر في مكانه وبنى عليه إبراهيم وهو يتلألأ تلألؤاً شديداً من شدة بياضه , فأضاء نوره شرقاً وغرباً ويمناً وشاماً , ثم أنهدم البيت فبنته العمالقة , ثم أنهدم فبنته قبيلة من جرهم ثم أنهدم فبنته قريش , فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تنازعوا فيه , وفي رواية الحاكم في المستدرك , وأن قريشاً اختلفوا في الحجر حين أرادوا أن يضعوه , حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف فقالوا , أجعلوا بينكم أول رجل يدخل الباب , فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ) فقالوا هذا الأمين , وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين , فقالوا يا محمد قد رضينا بك , فدعا بثوب فبسط ثم وضعه فيه ثم قال : ليأخذ من كل قبيلة رجل من ناحية الثوب ثم رفعوه , ثم أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه , وكان ذلك قبل بعثة النبي الكريم بخمس سنين وكان عمره 53 عاماً .
لقد حفظ الله الحجر الأسود من التصدع أو الضياع رغم تعرضه لحوادث عدة خلال الأزمنة المتقدمة كانت كفيلة بذلك , وبقي لما له من آيات وخصوصية ومن هذه الحوادث :
· ما أصابه من حريق كبير في عهد قريش قبل الإسلام مما أدى إلى احتراقه واشتداد سواده .
· الحريق الذي أصابه زمن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما , عندما قصفت الكعبة المعظمة مما أدى إلى احتراق كسوتها , والحجر الأسود , وتصدع بنيانها .
· ومن أخطر ما أصاب الحجر الأسود الاستيلاء عليه من قبل القرامطة الذين ينسبون إلى رجل من سواد الكوفة يقال له قرمط الذي دعا إلى الزندقة والكفر الصريح وقتله الخليفة العباسي المكتفي بالله سنة 392هـ .
· أقدم نصراني من أهل الروم سنة 363هـ , فقام بضرب الحجر الأسود ضربة شديدة أثرت فيه , وحاول الثانية إلا أن يمنياً كان يطوف ابتدره بضربة فقتله .
· كًََّلف الحاكم العبيدي من الباطنيين أيضاً في مصر أحد الملاحدة من إتباعه سنة 314هـ الذي قام بضربه ثلاث ضربات أدت إلى تقشر وجهه وتساقطت منه شظايا , فتكاثر عليه الطائفون وقتلوه .
· أقدم رجل أعجمي مصاب بخلل عقلي على ضرب الحجر الأسود بدبوس كان يحمله سنة 99هـ , وكان عند البيت الأمير ناصر جاوس ففاجأه بخنجر فقتله .
· أقدم فارسي من بلاد الأفغان على اقتلاع قطعة من الحجر الأسود وسرق قطعة من ستارة الكعبة فشعر به حراس المسجد الحرام فاعتقلوه وحكم بالإعدام .
· هذا وقد صنع للحجر الأسود المبارك أطواق من الفضة الخالصة تثبيتاً وحرزاً وصيانة له من أيدي العابثين الظالمين المجرمين .